بقلم: قيس عبدالله الجوعان — آب/أغسطس 2025

مقدّمة

في مساءٍ رمادي، تتوقف شاحنة إنسانية موسومة بوضوح على طريقٍ متفق عليه. لحظة صمت، ثم انفجار يبعثر الطحين والدماء في التراب. أن يُقتل المسعف وهو يمد يده، فذلك ليس حادثًا عابرًا، بل رسالة مقصودة: اليد التي تطبب ستُكسر حتى تنكسر الإرادة.

ومن هذا المشهد تنطلق هذه المذكرة لتقرأ الوقائع بميزان القانون الدولي الإنساني، لا لتسجل توصيفًا عابرًا، بل لتقدّم لبنة أولى لمسار قانوني وسياسي متاح أمام الدول والمنظمات الراغبة في كسر حلقة الإفلات من العقاب.

الملخّص التنفيذي

هذه المذكرة ثمرة قراءة قانونية متحفّظة، تستند إلى مصادر علنية موثوقة، وتهدف إلى توصيف الضربات الموثقة ضد القوافل والمركبات الإنسانية في غزة، ضمن الإطار الأوسع لقيود النفاذ إلى المساعدات. ويبدو، في ضوء منهجٍ حذر، أنّ كلّ حادثة من الحوادث المدروسة ترقى إلى مستوى جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني.

وعند النظر إليها مجتمعة، ومع ضمّها إلى سجلّ الإغلاق المطوّل للمساعدات ومئات الاعتداءات على المرافق الصحية، يتجلّى نمط متكرر ومنهجي يرقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية. كما أن عناصر تعريف الإرهاب (عنف غير مشروع موجَّه ضد مدنيين بقصد الترهيب أو الإكراه لتحقيق أهداف سياسية أو أيديولوجية) تبدو متوافرة على مستوى النمط العام.

ورغم أنّ الممارسة الدولية درجت على توصيف هذه الأفعال تحت عناوين «جرائم الحرب» و«الجرائم ضد الإنسانية» بدل إدراجها في مفهوم الإرهاب، فإن هذا المفهوم يظلّ منظورًا تحليليًا معتبرًا حين يكون العنف الموجَّه ضد المدنيين والعاملين الإنسانيين مقصودًا به الترهيب السياسي أو الإكراه الجماعي.

هذا النص يمكن اعتباره مسودة تأسيسية قابلة لأن تتبناها دولة واحدة أو عدة دول، أو منظمات إقليمية مثل منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، وحركة عدم الانحياز. كما تتوفّر، عند الطلب، مسارات إجرائية تفصيلية لطلب فتوى استشارية (رأي استشاري) من محكمة العدل الدولية عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أولًا: الأدوات القانونية (عرض مركَّز)

ضوابط المنهجية: الالتزام بمصادر موثوقة، استخدام لغة متحفّظة («يبدو أن»، «منسجم مع»…) مع الإقرار بأن الكلمة الفصل تبقى للمحاكم والهيئات القضائية المختصة.

ثانيًا: الوقائع الدالّة (خمس حوادث موثقة)

الحادثة الأولى: قافلة الأونروا — 5 شباط/فبراير 2024 (غرب النصيرات)
استُهدفت الشاحنة الأخيرة من قافلة مكوّنة من عشر شاحنات، رغم تنسيق مسبق وتوقفها في نقطة متفق عليها. كانت المركبة موسومة بوضوح. لم تقع خسائر بشرية، لكن الأونروا علّقت مساعداتها للشمال مدة 19 يومًا.

الحادثة الثانية: قافلة وورلد سنترال كيتشن (WCK) — 1 نيسان/أبريل 2024 (دير البلح–رفح)
ثلاث مركبات إنسانية موسومة بوضوح أصيبت تباعًا رغم سيرها على مسارات منسقة مسبقًا. قُتل سبعة من العاملين الإنسانيين. اعترفت قوات الاحتلال بالمسؤولية، وأعلنت عن «إجراءات تأديبية» بعد تحقيق داخلي، فيما طالبت المنظمة بتحقيق مستقل.

الحادثة الثالثة: قافلة أطباء بلا حدود (MSF) — 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 (شمال غزة)
تعرّضت قافلة تقل موظفين وأسرهم لإطلاق نار، فقُتل اثنان. وخلصت مراجعة داخلية للمنظمة إلى أنّ «جميع المؤشرات تدل على مسؤولية الجيش الإسرائيلي».

الحادثة الرابعة: مركبة تابعة للأمم المتحدة — 13 أيار/مايو 2024 (رفح–المستشفى الأوروبي)
أصيبت مركبة موسومة تابعة للأمم المتحدة أثناء توجهها إلى المستشفى، فقُتل موظف وأُصيب آخر. وقد صدر تنديد رسمي من الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة.

الحادثة الخامسة: مجمع مستشفى ناصر — 25 آب/أغسطس 2025 (خان يونس)
غارتان جويتان أصابتا المجمع الطبي بفاصل دقائق، ما أسفر عن مقتل ما بين 15 و20 شخصًا، بينهم صحفيون ومسعفون. اعترفت قوات الاحتلال بالضربة، وأعلنت فتح تحقيق.

مؤشرات النمط العام: وثّقت منظمة الصحة العالمية مئات الاعتداءات على المرافق الصحية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، كما سجّلت تقارير مستقلة استهداف قوافل ومنشآت إنسانية رغم إخضاعها لإجراءات فكّ الاشتباك المسبق.

سياق النفاذ إلى المساعدات: في 7 أيار/مايو 2024 أُغلق معبر رفح وأُعلنت السيطرة عليه، ما أدى إلى انخفاض حاد في دخول المساعدات. وكانت هناك تصريحات علنية سابقة بإعلان «حصار كامل» يشمل الكهرباء والغذاء والوقود. التحديث الأخير: إن الضربات على مستشفى ناصر في خان يونس بتاريخ 25 آب/أغسطس 2025 — والتي أفادت التقارير بمقتل صحفيين ومسعفين — تعزز الاستنتاج بوجود نمط متواصل يمسّ العاملين الطبيين والإعلاميين المحميين.

ثالثًا: تطبيق الأدوات القانونية

رابعًا: الانعكاسات على الدول والشركاء والمؤسسات

خامسًا: مسار تأسيسي نحو فتوى استشارية من محكمة العدل الدولية

بموجب المادة 96(1) من ميثاق الأمم المتحدة، يمكن للجمعية العامة أن تطلب فتوى استشارية (رأيًا استشاريًا) من محكمة العدل الدولية. والفتوى الصادرة بشأن الجدار (2004) أثبتت أثر هذه الآراء «غير الملزمة» في صياغة التزامات الدول.

سؤال مقترح:
ما العواقب القانونية للممارسات والسياسات التي تنفذها إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة — بما يشمل هدم المساكن وسبل العيش، توسيع المستوطنات، إعاقة الإغاثة الإنسانية، واستخدام الحرمان لدفع السكان إلى النزوح أو الاستسلام — عند قياسها على ضوء القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي؟

سادسًا: الخلاصة

يتضح، في ضوء قراءة متحفظة، أنّ كل حادثة من الحوادث المختارة تُشكّل جريمة حرب. وإذا ما جُمعت ضمن النمط المتكرر للاعتداءات على الصحة العامة وعرقلة المساعدات، فإنها تبلغ عتبة الجرائم ضد الإنسانية. كما أنّ اختبار الإرهاب يبدو متحققًا حينما يقوم الاحتلال بالإرهاب الممنهج ضد المدنيين لتحقيق غايات سياسية.

وعليه، تُقدّم هذه المذكرة أساسًا منضبطًا لتمكين الدول أو المنظمات الإقليمية من طلب فتوى استشارية من محكمة العدل الدولية، ولتوجيه المانحين والشركاء نحو اشتراطات فورية وضمانات تشغيلية واقية.

ملاحظات تحريرية