مرحبًا بك في الأرشيف الشخصي لخواطر ومقالات

قيس عبدالله الجوعان

هذا الموقع لا يزال قيد الإنشاء. وقد أُنشئ ليكون مساحة وجدانية فكرية، تهدف إلى التأمل فيما يعتمل في النفس والعالم من أسئلة، بروح هادئة ومسؤولة.
أما دوافع إنشائه، فهي جزء من سيرة شخصية مرّت بمحطات من المعايشة الإنسانية المباشرة: من ساحات الحرب الأهلية في لبنان وسيراليون، إلى مشاهد النزوح والشتات، ومعاناة أهل فلسطين والروهينجا وكشمير، وغيرهم من ضحايا الحروب الذين لا يتسع المقام لذكرهم جميعًا. وقد تكشّف لي، من خلال تجربتي المهنية، أن مشاهد الألم كثيرًا ما تطغى على الأرقام، وأن صوت الإنسان يعلو ــ حين نصغي إليه حقًا ــ على لغة المؤسسات. وفي كل ذلك، لم يكن لي أن أقف موقف المتفرّج، بل وُضعت مرارًا أمام ما يمكن تسميته بـ"واجب الشهادة"، لا بمعناه القانوني أو السياسي، بل بما يحمله من مسؤولية إنسانية وأخلاقية تجاه ما رأيت وسمعت وعشته.
وحين أقول "الشهادة"، فإنما أقصد بها معناها الوجداني: أن تكون حاضرًا في لحظة يصعب فيها التفسير، وأن تتحمّل مسؤولية التوثيق الأخلاقي دون ادّعاء، ولا تحزّب سياسي، ولا رغبة في إثارة أو تعبئة وجدانية.
منذ سنوات، راكمتُ خواطر خطّيتها على قصاصات من ورق، أو خبأتها في زوايا الحاسوب، ولعل أكثرها مكث يهيم في أرجاء العقل والقلب دون أن يجد سبيله إلى النور. وهذا الموقع محاولة لجمع ما تناثر، ولمّ شتات تلك الأصوات الداخلية، لا بدافع النشر، بل بدافع الوفاء لما تشكّل في الغياب، وتردّد في الصمت.
أكتب اليوم، لا طمعًا في أثر، ولا استجابةً لموجة، بل وفاءً لما لم يُقَل. أكتب لأني رأيتُ ما لا يُنسى، وسمعتُ من الصامتين، ولامستُ خرائط العالم بأصابع متعبة لا تزال تبحث عن معنى.
متى أكتب؟ حين تسكنني الأسئلة، ولا أجدُ لها صدرًا ولا سندًا. أكتب حين يعجز الصوت عن الشهادة، فيتكفّل الحرف بما بقي من الذاكرة.

ولمن؟

لمن لم يعد يثق بالخطابات الجاهزة، ولمن يفتّش في الأنقاض عن بصيص صدق. أكتب لأبناء جيلي ممن تعبوا من الاصطفاف، ولأحفاد لم يُولدوا بعد، عسى أن يجدوا في الحرف ما يحفظ لهم إنسانيتهم وسط العتمة.
هذا الموقع ليس منصة إعلامية، ولا سيرة ذاتية، بل محاولة لأرشفة ما أراه، وما أفكر فيه، قبل أن يبتلعه النسيان أو تُشوّهه الروايات السائدة.
كُتبت هذه السطور في مدارات التأمل، وبتوقيعٍ صامت، قبيل منتصف الألفية الثانية للهجرة، وبحلول الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.