الانتقائية في التفعيل: متى تطبق أوروبا شرط حقوق الإنسان ومتى تتجاهله؟
بقلم قيس الجوعان
2025 أغسطس
متى تُفَعِّل أوروبا المادة الثانية؟
على مدى العقدين الماضيين، لم تتردد أوروبا في اتخاذ تدابير عقابية ضد شركاء خارجيين عندما تم انتهاك المبادئ الديمقراطية الأساسية:
- بيلاروسيا: فُرضت عقوبات وتم تخفيض التمثيل الدبلوماسي بسرعة بعد قمع الاحتجاجات وتزوير الانتخابات تحت حكم لوكاشينكو.
- روسيا: عقب ضم شبه جزيرة القرم في 2014 ثم الغزو الشامل لأوكرانيا، علقت أوروبا الاتفاقات، وجمدت الأصول، وفرضت عقوبات واسعة النطاق — مبررة جزئياً تحت مظلة المادة 2.
- سوريا: أدت جرائم الحرب الموثقة لنظام الأسد إلى تجميد العلاقات وفرض عقوبات صارمة على الأفراد والقطاعات.
- تونس: مع انزلاق البلاد مجددًا نحو الممارسات السلطوية وانتهاكات حقوق المهاجرين، أعادت أوروبا النظر في المساعدات وشروط الشراكة.
- فلسطين: ربما من أكثر الحالات المفارقة، حيث علّقت أوروبا تمويلها أحيانًا للسلطة الفلسطينية بسبب ما وصفته بتحريض مزعوم في المناهج الدراسية أو ثغرات في الحوكمة — مستندة صراحةً أو ضمنيًا إلى شرط حقوق الإنسان.
وحين تصمت المادة الثانية
أما في حالة إسرائيل، الدولة التي تتمتع منذ عام 2000 بمزايا اتفاقية الشراكة الأوروبية، فلم تُفَعَّل نفس الشروط رغم التوثيق الكثيف لما يلي:
- انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛
- أعمال عسكرية غير متناسبة وعشوائية بحق المدنيين؛
- توسيع المستوطنات بصورة مخالفة للقانون الدولي؛
- استمرار سياسات الحصار والعقاب الجماعي.
لم تُقدِم أوروبا على تعليق الاتفاق أو حتى مراجعته — بل على العكس، واصلت توسيع التعاون القطاعي وتبادل التكنولوجيا. لم يتم تفعيل المادة 2 مطلقًا كأساس لمراجعة أو تقييد هذه الامتيازات.
المفارقة الكبرى
وتتجلى التناقضات بصورة أوضح حين نرى التدقيق الأوروبي الحاد في مناهج التعليم الفلسطينية بسبب "التحريض المزعوم"، بينما تغض الطرف تمامًا عن الخطابات العرقية والدينية المتطرفة داخل السياق التعليمي والسياسي الإسرائيلي — بما في ذلك تفسيرات تلمودية تفوّقية يتبناها مسؤولون وشخصيات عامة. مقاطع لو ظهرت في الكتب الفلسطينية لأثارت استنفارًا فوريًا، تُتجاهل أو يُعاد تأطيرها عندما تصدر عن مؤسسات إسرائيلية.
هذا اللا تماثل في الرد ليس قانونيًا فقط — بل أخلاقيًا بامتياز.
السؤال الأخلاقي
كيف يُفعّل شرط قانوني بهذه الحدة ضد أطراف ضعيفة أو غير ذات أهمية جيوسياسية — ثم يُهمل تمامًا حين يتعلق بحليف استراتيجي، حتى لو وُجّهت إليه اتهامات موثقة بالتطهير العرقي والفصل العنصري وجرائم الحرب؟
إذا لم تكن المادة 2 شاملة، فهي ليست مبدئية.
وإذا لم تكن مبدئية، فما الذي تبقى من السلطة الأخلاقية للاتحاد الأوروبي؟