قيس الجوعان – مما جرى بيني وبين خليٍّ جفاني

توطئة - مما جرى بيني وبين خليٍّ جفاني

ليس كلُّ خلافٍ يستوجب ردًّا،
ولا كلُّ جفاءٍ يُقابل بعتب.

فقد يُبدِّل الناس طباعهم عند أول نسمةِ خلاف،
وقد يُخطئون فهم اليد الممدودة في العُسر،
فيحسبونها شماتةً أو تحاملاً،
وما هي إلا صدقٌ في زمنٍ امتلأ بالالتباس.

هذه القصيدة لا تُخاصم، ولا تتبرّم،
وإنما تُدوّن أثر خيبةٍ من صديقٍ عزيز،
ظنَّ السوء، وأعرض في لحظةِ حاجةٍ كان فيها من يُعينه أقربَ إليه من رفيقه الطارئ.

وما في أبياتها من عتابٍ،
هو في حقيقته
تأملٌ في كرامة النفس،
وفي ثمن الصمت حين يعلو على الجراح.

كُتِبَت في ليالٍ من شهر محرّم، عام سبعة وأربعين وأربعمئة بعد الألف،
والبحر بيننا لا يزال شاهداً.

القصيدة

ولستُ بذي لومٍ إذا ما القَرى جَفَا،
ولا القلبُ يُلقي الودَّ في من به خَفَا.
عهدتُ خليلي مُستقيماً على النهى،
فأبدى جُنونًا، وانثنى وانقَضى الصفا.
دعاني لركب البحر من قبل ميعَدي،
فلمَّا أبيتُ الرأي صاحَ وما اكتفى.
فصنتُ لساني، ما جَهَلتُ جوابه،
ففاضَ غضابًا ثم ولّى وما وَفى.
تركتُهُ للهِ، لم أَتْبَعْهُ عاتِبًا،
ولكنّ قلبي، في غيابهِ اكتَفى.
فلما رمتْهُ الكُرْبُ، مدتُ له يدي،
بأنّي له، إن شاءَ وصلي، وكَفى.
كتبتُ له حرفًا، بليلٍ تألّمتْ
به النفسُ، لا سُخرٌ به، لا خُفَا.
فظنَّ بأنّي شامتٌ! وهوَ جاهلٌ
بماءِ المروءاتِ التي لم تَزَل صَفَا.
فأعرضتُ عنه، لا جهولاً ولا غلي،
ولكنني لا أبتغي الوصلَ بالخفا.
فإن عادَ بالحُسنى، فأهلاً ومرحبًا،
وإن ظلّ في ظنونه، فالهَوى قد عَفَا.

ملحق شرح المفردات

الكلمة/العبارة المعنى
خليٍّ جفانيالكلمة مأخوذة من الخُلّة وهي أعلى مراتب الصداقة والمودة وقد شاع استخدامها بين طبقة الحكماء في الجاهلية والإسلام. والمقصود هنا هو: صديقٌ مقرّب أعرضَ عنّي وانقطع ودّه.
خَفَاما خفي من الأمور أو ما اضطرب، ويُقصد به: التقلّب والجفاء
النهىالعقل والرزانة
انقضى الصفازال الصفاء والنقاء في العلاقة
ميعَديميعادي، أي الوقت الذي اتُفِق عليه للسفر
صاحَ وما اكتفىغضب وارتفع صوته ولم يرضَ
ما جَهَلتُ جوابهأي أعرف كيف أرد عليه، لكنني آثرت الصمت
رمتْهُ الكُرْبُأصابته الشدائد والمحن
وصليرجوعي إلى الصلة والوصل
لا سُخرٌ به، لا خُفَالا سخرية فيه، ولا غموض ولا نفاق
شامتفرِح بمصيبة الآخر
ماء المروءاتكناية عن أصل الأخلاق النبيلة
غليحقد أو غيظ
الهَوى قد عَفَاالحب قد زال أو اندثر
القرىالضيافة أو الكرم، ويُرمز به هنا إلى الود والمروءة